" حزب النهضة التونسي "... اخر حلقات مسلسل فشل الاخوان المسلمين

**محمد علام** · الثلاثاء أكتوبر 28, 2014 8:09 pm

بسم الله الرحمن الرحيم .

تقرير من أعدادنا الخاص .

تحت عنوان " حزب النهضة التونسي ... اخر حلقات مسلسل فشل الاخوان المسلمين " .

عندما أبتسمت الظروف للاخوان ، واضاعوا كل شئ بعد ذلك :

عندما أنتهت تونس من اجبار رئيسها بن علي علي الهروب ، وعندما أنتهي المتظاهرين في ميناء التحرير بقلب العاصمة المصرية القاهرة ، والعديد من الميادين الاخري بمختلف محافظات مصر من تحقيق مطلبهم بتقديم الرئيس الاسبق مبارك لاستقالته وتنحيه عن الحكم ، وعندما أنتهي حكم علي عبد الله صالح في اليمن ، كان الاخوان المسلمين هم متصدري المشهد في كل من القاهرة ، وتونس العاصمة ، وصنعاء ، فهم الجماعة الاكثر تنظيما ، ولهم كوادرهم في المدن والقري والازقة ، وصعد هولاء في هذه الدول الثلاثة الي قمة التوقعات في الفوز بالانتخابات التي ستعقد ، وكانت تلك التوقعات صحيحة ، ففي مصر تجاوزت نسبة حزب " الحرية والعدالة " المنحل 40 % من أجمالي أعضاء مجلس الشعب المقضي بعدم دستوريته ، وفي تونس فاز حزب " النهضة " بأغلبية مقاعد " المجلس التأسيسي " ، وفي اليمن فازت من لها صلة وثيقة بالاخوان هناك " توكل كرمان " بجائزة نوبل للسلام ، وان كانت الامور لم تستقر في اليمن لانتخاب ممثلين عن الشعب اليمني حتي الان .

لكن المشكلة التي واجهت الاخوان في مصر وتونس ، ان حكمهم الذي تسلط علي رقاب الناس ، لم يعجب من قاموا بثورة اصلا للتخلص من التسلط ، وربما لم تكن الامور لتتطور ذلك التطور العنيف في مصر ، ان بقيت الامور عند حد " تسلط سياسي " ، ولكن المشكلة التي واجهت المصريين هي الاحساس بأن هوية مصر كدولة تتغير ، وأن العديد من الثوابت الوطنية تتقلب علي هوي هولاء ، حتي أن الاخوان أنفسهم أدركوا انهم قد نزلوا بأرجلهم الي مستنقع عميق وأن الشعب لن يقبل بذلك ، ولعل من أشهر الامثلة علي ذلك أن الرئيس الاخواني " محمد مرسي " في خطابه الاول في ميدان التحرير قال جملة شهيرة هي " الستينات وما أدراك ما الستينات " في أشارة الي فترة حكم الرئيس الراحل " جمال عبد الناصر " ، وأثار ذلك غضبا كبيرا في نفوس المصريين ، فبينما يعتبر الاخوان جمال عبد الناصر عدوا لهم لموقفه الحازم ضدهم ، يعتبره الغالبية الكاسحة من المصريين بطلا للتحرر القومي وتأميم القناة وبناء مؤسسات الدولة المصرية المعاصرة وصاحب الشخصية الكاريزمية التي حررت الدول الافريقية والعربية من نير الاستعمار ، ومات وهو واقف يقاتل اسرائيل ، وهنا حاول مرسي تصحيح مساره يوم عيد العمال ، وفي قلب مصنع الحديد والصلب احد انجازات عبد الناصر الكبري وقف ليقول : " ان هذا ما بناه عبد الناصر ، ونحن نسير علي طريق البناء الذي بدأه عبد الناصر " ، ولكن محاولة مرسي كانت مكشوفة تماما للجميع ، ولم تنطلي علي أحد .

كان ذلك مثالا عن ما حاول الاخوان فعله في مصر ، كان ذلك علي الصعيد الفكري ، بعد أن تسلطوا سياسيا ، وربما كان من الممكن أن يصبر عليهم ذلك الشعب المصري الحليم ، الذي عرف طول التاريخ بصبره ، وطول باله ، الا أن الاخوان لم يكتفوا بالتسلط السياسي ، ولا حتي محاولة شن هجمة فكرية شرسة علي المواطن المصري ، بل أنتقلوا الي مرحلة التأييد المسستر ، والذي لم يكن مستترا ، لجماعات أرهابية قتلت أبناء الجيش المصري في سيناء حينا ، وخطفتهم حينا اخر ، هنا لم يكن لحلقات صبر المواطن المصري أن تستمر فترة أطول ، أحس المواطن المصري هنا بخطر " الوجود " ، وكانت حالة من الاضطراب الداخلي ، كيف يكون رئيس البلاد بهذا التوجه الفكري ؟ ومالسبيل ؟ ولا ينكر المصريين أنهم عاشوا حالة من اليأس التام من أمكانية التغيير في سير الامور ، وأن الكثيريين غادروا البلاد هجرة لا سفرا عاديا ، وقف المصريين يشاهدون بلادهم وكلهم قلق وخوف من الذي يحمله المستقبل لهم ، وأن خفف عنهم أحيانا بعض " الفكاهة " التي تميز بها أداء حكامهم وقتها ، كان أبرزها اذاعة أجتماع سري لمواجهة سد النهضة الاثيوبي علي الهواء مباشرة علي شاشة التليفزيون المصري .

وبتسلسل سريع للاحداث ، وبحركة شبابية تسمي " تمرد " جمع المصريين توقيعات بعشرات الملايين في أيام معدودة ، وبقي الامل بعد الله عز وجل في جيش مصر ، وفي ظل الايام الاخيرة من شهر يونية حتي بيان قائد الجيش وممثلي كل أطياف الجيش المصري في الثالث من يوليو 2013 ، لم تكن الامور واضحة ، وكان البعض قد فسر بيان قيادة القوات المسلحة أنها ستقف مع الرئيس الاخواني وجماعته علي حساب الشعب ، الا ان الجيش كعادته أختار أداء مهمته الاقدس وهي الحماية والدفاع عن الشعب المصري والزود عن أمنه ولو كان علي جثث ابناءه ، فهم في النهاية أبناء هذا الشعب ونبته ، فجيش مصر ربما يكون الجيش الاكثر تمثيلا في العالم للمجتمع نفسه ، فهو الجيش الذي تجد بين ضباطه نجل الوزير ، ونجل مسئول كبير ، ونجل الموظف البسيط ، ونجل المعلم والطبيب والمهندس ، وهولاء كلهم تجمعهم المؤسسة العسكرية المصرية في نسيج واحد لم يهن منذ سبعة الاف عام .

علي الدرب سر ، ثم احتفظ بما يمكن الاحتفاظ به :

وعلي درب الاخوان في مصر ، سار أخوان تونس وحزبهم النهضة ، وشهدت تونس احداث جلل بعد فوزهم بأنتخابات " المجلس التأسيسي " ، عادت الشرطة التونسية لاستخدام العنف ضد المتظاهرين السلميين - نفس احداث الاتحادية في مصر - في مظاهرة في العاشر من أغسطس 2012 كانت امام " المجلس التأسيسي " ، أستخدمت الشرطة التونسية ضد هذه المظاهرة الرصاص المطاطي والقنابل المسيلة للدموع ، وتم أعتقال عدد من المتظاهرين أيضا ، وقبل هذه الحادثة بثلاثة أيام كان الامر قد وصل الي حد المواجهات داخل المساجد نفسها ، ففي السابع من أغسطس 2012 اندلعت مواجهة بين فصيلين سلفيين في مسجد " الهداية " بمدينة باجة شمال غرب تونس أستعمل فيها الاسلحة البيضاء ، وكان ذلك في شهر رمضان حيث أضطر المصلين لقطع صلاة التراويح وترك المسجد في ظل غياب كامل للامن ، وقبل هذين الحادثين وتحديدا في يونيو 2012 قتل شاب سلفي و أصيب أكثر من 100 اثر عرض لفنانيين تشكليين لوحات في مهرجان بمدينة " المرسي " شمال العاصمة ، اعتبرها متشددين " كفرا " ، ووصل الامر الي خطف أمام أشهر أكبر مساجد تونس " الزيتونة " الشيخ " حسن العبدي " في أغسطس من نفس العام 2012 ، بعد أربعة أشهر فقط من قيام سلفيين بالهجوم بالعصي والسيوف والاسلحة النيرانية علي حانات وأندلعت اشتباكات بينهم وبين تجار للخمور في مدينة سيدي بوزيد ، كانت كل تلك الافعال تحت مرأي ومسمع من حزب " النهضة " الذي كان يعتبر وقتها الحزب الحاكم لتونس ، وزعيمه راشد الغنوشي .

الا أن الحدث الابرز والذي نال صدي في كل أرجاء المعمورة هو مقتل المعارض اليساري البارز " شكري بلعيد " في السادس من فبراير عام 2013 ، وشكري بلعيد كان محاميا وناشطا تونسيا بارزا مناهضا لحزب " النهضة " ، وتم أغتياله بثلاثة رصاصات أطلقت عليه من مسافة قريبة بالقرب من منزله ، وحملت السلطات التونسية وقتها منظمة " أنصار الشريعة " المسئولية ، وان كانت الجماعة لم تعلن مسئوليتها علي عكس أي جماعة أرهابية اخري ، وبعد عام أعلنت وزارة الداخلية عن مقتل " كامل القضقاضي " وهو متشدد أتهمته الحكومة التونسية بتدبير الحادثة ، ولكن عائلة بلعيد رفضت ذلك وطالبت بكشف الحقيقة ، وكذلك فعل حزب " الوطنيين الديمقراطيين الموحد " والذي كان بلعيد أمينا له .

ولكن مع ثورة الثلاثين من يونية في مصر ، وازاحة الاخوان عن الحكم ، بدا وكأن حزب " النهضة " في تونس قد أحس بالخطر ، خصوصا أن الشعب التونسي وقتها ، كان قد وصل الي مرحلة متقدمة للغاية من رفض سياسات الحزب ، والمجلس التأسيسي ، وهنا كانت نقطة التحول ، أدرك حزب النهضة التونسي ، أنه ان ظل في خانة " علي الدرب سر " سيكون مصيره مثل مصير الحرية والعدالة في مصر ، ولذا بدأ التنازلات ، وكانت الخطوة الاهم هي التنازل عن سيطرته عن الحكومة ، وأختيار " مهدي جمعة " رئيسا جديدا للوزراء لحكومة غير حزبية تقود تونس الي الانتخابات التي جرت أول أمس بعد جولات طويلة من المفاوضات بدأت في شهر أكتوبر بين الاحزاب المختلفة ليكون خلفا " لعلي العريض " بعد أن كان النهضة يريد تعيين السيد أحمد المستيري الذي كان يبلغ من العمر وقتها 88 عاما .

ما بعد النتيجة :

اذن سلم حزب " النهضة " سلم لانه لم يكن أمامه الا التسليم ، واليوم سلم حزب " النهضة " مجددا بنتائج الانتخابات ، وبفوز " نداء تونس " وسلم أيضا لانه ليس أمامه الا التسليم ، سلم حزب " النهضة " كلا الحالتين لانه لم يكن أمامه الا التسليم ، ولان قيادات الاخوان في تونس أدركت حقيقة الواقع علي الارض ، علي عكس تلك التي في مصر ، والتي أبتعدت عنه تماما ، وضاعت في غياهب العنف ، وهنا الدور علي " نداء تونس " فاذا اتجه الحزب الفائز بالاكثرية الي التحالف مع أحزاب أخري من نفس تياره الفكري البعيد عن الاسلام السياسي ، يمكنه الوصول الي الاغلبية دون الحاجة الي التحالف أو دخول ائتلاف مع النهضة ، وبالتالي يتحول " النهضة " الي مقاعد المعارضة ، هذا هو المتوقع من " نداء تونس " ، وهذا ما نرجحه في أنتظار ما ستسفر عنه الايام المقبلة .

الحدث المهم أيضا وان كان قد قلت أهمية المنصب بعد الاطاحة ببن علي ، هو أنتخابات رئاسة الجمهورية التونسية ، في الثالث والعشرين من شهر نوفمبر المقبل ، ويخوضها 27 مرشحا ، منهم 6 من رموز نظام بن علي نفسه ، بعضهم حظوظه وافرة في الفوز ، أبرزهم " الباجي قايد السبسي " ، وهو أحد صقور السياسة التونسية ، فبعمره البالغ 87 عاما ، كان السبسي أحد رجال نظام " بورقيبة " الاقوياء وتولي في عهده وزارات الداخلية والدفاع والخارجية ، أما في عهد " بن علي " فعمل نائبا لرئيس مجلس النواب ، وعضوا في اللجنة المركزية للحزب الحاكم وقتها " التجمع الدستوري الديموقراطي " حتي عام 2003 ، وتولي رئاسة الحكومة التونسية بعد الثورة الي أن فازت النهضة بالانتخابات ، ويعتبر السبسي أكبر أعداء الاسلاميين في تونس بشكل عام بوصفه الدائم لهم بأنهم " ظلاميين " و " الخطر الاكبر علي تونس " ، وربما يكون الرئيس الحالي " المنصف المرزوقي " ومعه رئيس المجلس الوطني التأسيسي " مصطفي بن جعفر " هما الاسمين الاقرب لحزب النهضة في هذه الاسماء السبعة والعشرين ، ومن المؤكد أن النهضة لن يترك أي جهد الا وسيحشده خلف المرشح الذي سيختار دعمه ، لانه وأن كان دستور البلاد الجديد يجعل صلاحيات رئيس الوزراء أعلي من صلاحيات رئيس الجمهورية ، الا انه من غير المقبول أن يترك النهضة الحكومة ، والسيطرة علي البرلمان المؤقت - المجلس التأسيسي ، ليخسر الانتخابات التشريعية والرئاسية علي السواء ، علي العموم أمامنا أمام الانتخابات أقل من شهر ، فهل يستطيع أخوان تونس أن يعودوا مجددا للشارع محاولين كسب الانتخابات التي وأن خسروها ، سيكونوا قد خسروا كل ما كسبوه بعد الاطاحة ببن علي ، أم يلعب السبسي مع أعداءه لعبة المساومة ، ويشاركهم الحكومة في مقابل أفساحهم الطريق له ومساندته للفوز بالرئاسة ، فللننتظر الاحداث ، ولندعو لتونس بكل الخير .

تمت بحمد الله .

الموضوعالأصلي : " حزب النهضة التونسي "... اخر حلقات مسلسل فشل الاخوان المسلمين // المصدر : منتديات أحلى حكاية //الكاتب: محمد علام

أهلا وسهلا بك إلى المعرفة
أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم، إذا كانت هذه زيارتك الأولى للمنتدى، فيرجى التكرم بزيارة صفحة القوانين، بالضغط هنا.كما يشرفنا أن تقوم بالتسجيل بالضغط هنا إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى، أما إذا رغبت بقراءة المواضيع والإطلاع فتفضل بزيارة القسم الذي ترغب أدناه.